عروض توظيف في شركات وهمية تستهدف سرقة البيانات البنكية لباحثين عن عمل
أفاد باحثون عن وظائف بتزايد عدد الأشخاص والشركات الوهمية من خارج الدولة التي تستخدم أساليب عديدة لتضفي الرسمية على نشاطها غير القانوني، تستهدف الاستيلاء على أموال الآخرين من خلال استغلال المعلومات البنكية للشخص التي يتم إرسالها لهم، مشيرين إلى أن عدداً منهم وقع ضحية لأشخاص عرضوا وظائف عمل بشاغر مندوبي مبيعات «أون لاين» في مواقع تسوق عالمية بنظام العمل اليومي، عبر باقات أجور مختلفة تراوح بين 50 إلى 500 دولار يومياً.
في المقابل، أكد مختصان أن العديد من الأشخاص أو العصابات تستغل طموح الشباب وحاجتهم الماسة للعمل، موضحين أنه من الضروري التأكد من صحة عرض العمل، بحيث يكون صادراً عن وزارة الموارد البشرية والتوطين، وأن يكون موقعاً من المفوض بالتوقيع عن الشركة، مؤكدين أن الإمارات سنّت قوانين لازمة للحماية من مخاطر الجرائم الإلكترونية، ووضعت العديد من العقوبات لمواجهة مثل تلك الجرائم.
وتفصيلاً، ذكر باحثون عن وظائف علي محمد، سعيد محمود، وخالد سالم، وعمر يوسف، أنهم تلقوا في الآونة الأخيرة رسائل عديدة من أشخاص وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تعرض عليهم وظائف في شركات شهيرة خاصة بـ«التجارة الإلكترونية» للعمل عن بعد برواتب تراوح بين 50 وحتى 500 دولار يومياً. وأضافوا لـ«الإمارات اليوم»، أن طرق الاحتيال الجديدة تجعلهم غير مدركين ما إذا كانت الجهة تعمل بشكل قانوني أم لا، نظراً لطريقة عرض الوظيفة من قبل أشخاص متمرسين ومحترفين في إيهام طالبي الوظائف بأنهم من جهة رسمية وحصلوا على أرقامهم من خلال طرق سليمة.
ولفتوا إلى أن ما أقنعهم بالخوض بإجراءات التوظيف المتمثلة في مواقع عالمية شهيرة هي مرونة ساعات العمل وسهولة المهام المطلوبة التي تتوافق مع قدراتهم بالإضافة للعمل من المنزل دون الحاجة للذهاب يومياً لمقار العمل.
وذكروا أن بعض الخريجين ينساقون وراء شركات التوظيف الوهمية، التي زادت أعدادها أخيراً، حيث تستخدم أساليب عدة لتضفي الرسمية على نشاطها غير القانوني، للاستيلاء على أموال الآخرين عبر إقناعهم بالحصول على فرص وظيفية، مقابل دفع مبالغ مالية بحجة استكمال إجراءات معاملات التوظيف، كما يطلبون من ضحاياهم بياناتهم الشخصية والبنكية ومستنداتهم الرسمية لاستغلالها في أمور أخرى. وتواصلت «الإمارات اليوم» مع أحد الحسابات التي تعرض تلك الوظائف، والذي عرض العمل مقابل راتب يراوح بين 50 إلى 500 دولار يومياً، حيث أرسل رقم مدير الموارد البشرية للتواصل معه حال الاهتمام، وعند الاتصال طلب كافة البيانات الشخصية والبنكية لتسهيل عملية تحويل الأموال، مع ملاحظة أن الأرقام التي يتم التواصل معها تحمل مفاتيح لدول إفريقية.
من جانبه، قال خبير الأمن السيبراني عبدالنور سامي، إن الكثير من العصابات المحتالة تستغل طموح الشباب من جهة، وحاجتهم الماسة من جهة أخرى، وفي بعض الأحيان يقع الطماعون والكسولون الذين يسعون للربح السريع ضحية هذه العصابات.
وأضاف لـ«الإمارات اليوم»، أن هذه العصابات تقوم باستهداف الأشخاص بطريقتين مختلفتين؛ الأولى بالتواصل على «واتس أب» بشكل عشوائي على مختلف الأرقام باستخدام برمجيات تواصل، كما يخصصون فريقاً متكاملاً ويقسم العمل بين أفراد هذه العصابة، وهذه الطريقة نوعاً ما تقليدية، وكثير من أفراد هذه العصابات ينشطون هذه الأيام في مجموعات «
واتس أب» و«تليغرام»، ويقومون بالاحتيال تارة والاختراق والابتزاز تارة أخرى. وتابع: «أما الطريقة الثانية وهي بالاصطياد، حيث يقومون بإعداد موقع إلكتروني متكامل أو إعلانات مدفوعة عبر (فيسبوك) و(إنستغرام) و(سناب شات)، وغيرها من تطبيقات التواصل؛ تعرض استمارة واحدة، ويقوم الشخص بتعبئة الاستمارة بإدخال بياناته ظناً منه أن هذا الموقع حقيقي، ولكنه لا يعلم أنه بمجرد إدخاله بياناته فإنه يصبح نصب أعين هذه العصابة، إذ أثبت أنه سهل الاستهداف بمجرد إدخاله لهذه البيانات.
وذكر أن بعض هذه العصابات تقوم بإعداد موقع إلكتروني بشكل متقدم جداً، وتضيف صوراً احترافية، وبريداً إلكترونياً رسمياً، وعنواناً افتراضياً، وفي بعض الأحيان رقماً هاتفياً، ولكن قد يكون الرقم وهمياً، لذلك أنصح دائماً بتجربة الاتصال بالرقم.
وقال عبدالنور: «لاحظت أن الاستهداف يكون من دول مختلفة، مثلاً لن تجد احتيالاً في الإمارات على مقيمين في الإمارات، حيث إن الأمان في الإمارات يعد من الأعلى عالمياً وسيتم القبض على المحتالين بشكل مباشر، ولكن يقوم الأشخاص بالاحتيال على القاطنين في الإمارات من خارج الإمارات، كما يقوم بعض المحتالين بالاحتيال على أشخاص في الكويت والسعودية باسم الإمارات، مدّعين أنهم شركات إماراتية.. ولكن من يعرف الإمارات سيكتشف بسهولة أن الرقم مثلاً ليس إماراتياً أو سيكتشف أسماء المنطقة إن كانت عشوائية أو وهمية».
ولفت إلى أن بعض المحتالين يعتمد على إدخال البطاقة البنكية لدفع رسوم طلب العمل، ولكن ما أن يتم إدخال رمز OTP حتى تتم سرقة الحساب بمبالغ أكبر من ذلك، وفي هذه الحالة يجب فوراً الاتصال بالسلطات المعنية ليتم توقيف المبلغ وحماية الحساب. كما تدّعي بعض الجهات أنها جهات وسيطة وتطلب رسوم فتح ملف، موضحاً أن «الشركات الوسيطة لا تقوم بأخذ أموال من الباحثين عن عمل إطلاقاً بل تطلب المال من الشركة التي تقوم بالتوظيف».
وتابع: «لا توجد شركة حقيقية تطلب أموالاً، يجب الإبلاغ فوراً عن هذه الجهات، فهذا استغلال أو إساءة استخدام للمنصب أو أنه محض احتيال؛ فالكثير ينجرف وراء الدعايات من مواقع الدعاية للوظائف، ولكن وجود إعلان في هذه المواقع لا يعني أن الجهة حقيقية ورسمية، فأي شخص يستطيع فتح حساب شركة ونشر إعلانات التوظيف، لذلك لا يصح الاعتماد على هذه المواقع 100%».
وأشار إلى أنه لتفادي النصب والاحتيال من خلال جهات التوظيف لا يجب دفع أي مبالغ وساطة، وبالأخص باستخدام بطاقة بنكية، أو تقديم البيانات قبل التحقق من صحة الجهة، وهل هي فعلاً جهة معتمدة أو شركة حقيقية من عدمه وهل لها مقر أو رقم رسمي ثابت أم هاتف نقّال.
بدورها، أكدت المستشارة القانونية نداء المصري، أن الجريمة تتطور وتتغير حسب المعطيات المحيطة بها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تسهيل التعاملات المالية والبنكية لتتناسب مع احتياجات السوق والعالم الإلكتروني الذي يكتسح كل تفاصيل حياتنا، وكذلك الترويج لبعض الأعمال والوظائف عبر القارات، وعليه فكما كان الفرد يحرص على مقتنياته وأمواله وحياته الخاصة من السرقة والاحتيال بشتى الطرق ويحتفظ بخزائن في منزله ومكتبه ويتعامل بحرص مع البعيد والقريب، فإن عليه أن يكون أكثر حرصاً الآن ضمن هذه التكنولوجيا التي دخلت في كل تفاصيل حياتنا والتي سمحت حتى لمن لا نعرفه ولمن ليس في محيط المدينة أو الدولة أو حتى القارة أن يكون لديه القدرة على السرقة وبلمح البصر.
وأوضحت أن دولة الإمارات استخدمت أحدث التقنيات للكشف عن هذه الجرائم وجهزت أفراد المجتمع للتعامل مع المعاملات الرقمية وسعت لمحو الأمية المعلوماتية لمكافحة الجرائم الإلكترونية وتدريب الكفاءات المتخصصة لمواجهة هذا النوع من الجرائم، ثم بادرت بتشريع قوانين غاية في الشدة تتناسب وأهمية هذا المخطط الحضاري وخطورته.
وأشارت إلى أنه لأهمية وخطورة هذه الجرائم فقد كانت عقوبتها لا تقل عن الحبس سنة واحدة والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تجاوز مليون درهم لكل من استعان بأي طريقة احتيالية أو اتخذ اسماً كاذباً أو انتحل صفة غير صحيحة عن طريق شبكة الإنترنت أو إحدى وسائل تقنية المعلومات. أما من يستخدم بريداً إلكترونياً لشركة مع تغيير بسيط فيه ليبدو لمن يصله البريد الإلكتروني أنه صادر عن تلك الشركة لتسهيل الإيقاع بالضحية فعقوبتها السجن المؤقت والغرامة التي لا تقل عن 500 ألف درهم ولا تجاوز المليون.
ولفتت إلى أن الحكومة الإماراتية بادرت بالتأكيد على أنه وفقاً للقانون فإن العامل غير ملزم بدفع أية مبالغ مالية خاصة بعقد عمله أو إقامته، كما سهّلت معرفة تفاصيل العقود من خلال وزارة الموارد البشرية والتوطين أو من خلال السفارة الإماراتية داخل الدولة التي يقطن بها العامل الضحية. وفرضت الوزارة قبل استقدام العامل توقيعه على عرض العمل الذي يعتبره القانون جزءاً من عقد العمل الرسمي. وقدمت الوزارة لهم مجموعة من الإرشادات ومنها على سبيل المثال لا الحصر: لابد أن يتم تقديم عرض عمل صادر عن وزارة الموارد البشرية والتوطين، وأن يكون عرض العمل موقعاً من المفوض بالتوقيع عن الشركة، وأن يحتوي عرض العمل على كل التفاصيل المتفق عليها بين الطرفين كالراتب وتفاصيله والعمل الإضافي والمنصب الذي سيشغله العامل وأية بدلات أو مكافآت وغيره مما قد يصبح مثار خلاف لاحقاً. فضلاً عن الدخول للدولة مباشرة بتأشيرة عمل وليس أي تأشيرة أخرى، والتأكد من صحة عرض العمل من خلال موقع الوزارة أو سفارة الدولة، والتأكد من حقيقة وجود الشركة فعلياً على موقع السجل الاقتصادي الوطني والذي يمكن لأي مستعلم الحصول على البيانات العامة عن أي شركة والتحقق من وجودها الفعلي والقانوني، بجانب التأكد من صحة تأشيرة الدخول عن طريق الإدارة العامة لشؤون الأجانب أو هيئة الجنسية والإقامة أو وزارة الموارد البشرية، أو التواصل المباشر عبر الهواتف التي تعلن عنها الحكومة الإماراتية على مواقعها للاستفسارات المذكورة أعلاه.
علامات تدل على الاحتيال
حذّرت شرطة أبوظبي، وهيئة أبوظبي الرقمية، أخيراً، من عمليات احتيال مالي على البيانات المصرفية للأفراد عبر رسائل وهمية عبر الهاتف والإنترنت، وحددتا علامات تدل على الاحتيال، منها ادعاء المحتال أنه أحد الأصدقاء، وطلب تحويل أموال لمساعدته على حل مشكلة، أو انتحال المحتال صفة موظف بنك أو غيره، وطلب البيانات الشخصية والمالية، أو ادعاء الفوز بجائزة وهمية، وطلب إرسال مبلغ مالي لتحويلها، وكذلك محاولات إقناع الضحايا بالتبرع من أجل حالات إنسانية، أو وجود شحنة بريد تتطلب دفع مبلغ مالي لتوصيلها، أو تجميد الحساب والبطاقة المصرفية، بسبب عدم تحديث البيانات، أو من خلال عروض على سلع وخدمات بأسعار زهيدة، أو طلب تحويل أموال للحصول على عقد عمل، وغيرها.